الأحد، 28 أبريل 2013

يو 26 يناير 2011

يوم 26 يناير 2011 .. الليلة الي قبلها في الميدان اتفقت مجموعات مختلفة انها هتنزل "تجَرٍّي" وراها عساكر الأمن المركزي لمدة يومين في الشوارع لإنهاكهم وإستنزاف قوتهم قبل جمعة الغضب يوم 28 (الي كان بيُعلن عنها في نفس الوقت)

ركنت عربيتي الصبح في ميدان عبد المنعم رياض وتوجهت سيرا ع الأقدام لسلم نقابة الصح...
فيين (نقطة التجمع) ... لم تمض 10 دقائق من الهتاف حتى هرول إلينا مجموعة من العساكر قفلوا علينا بكردون محكم .. انتظرنا حتى جمعنا العدد المطلوب ثم بدأت محاولات كسر الكردون لمدة ساعات بأن يتجمع كل مرة أكثر من شاب ثم يلقون بأنفسهم على العساكر فينشغل العساكر بضربهم ونحاول نحن أن نستغل أي ثغرة في الكردون لندفع بأنفسنا فيها فتنفرج الصفوف وننطلق .. في إحدى المحاولات أمر أحد الضباط العساكر أن "يججرجروا الراجل الي واقف بيهتف في وسطهم ده عشان يتربّوا!" فدخل الأمن وسطنا وانتشل الجميل صاحب الصوت الجهوري أ. محمد عبد القدوس وحملوه كالذبيحة وألقوا به في وسط الشارع بعد أن أغمى عليه (في صورة مشهورة له تناقلها العديد حينها)
هيج هذا المنظر مشاعر الكثير ودمائهم فهببنا هبة رجل واحد ودفعنا بشدة حتى انفرج الكردون .. هرول بعضنا إلى أ. محمد وبقوا معه حتى أتى الإسعاف .. بينما إنطلق بقيتنا على وقع قنابل الغاز اللا نهائية إلى مهمته المحددة وهى "كل مجموعة تجري في ناحية مختلفة .. الهدف: قطع نفسهم في اكبر عدد من الشوارع"

المشهد في شارع رمسيس كان مذهل .. الشباب بيجروا بين العربيات وعلى الأرصفة والأمن مشتت ورانا والمدرعة مش قادرة تدخل اتجاه عكسي عشان تضرب غاز
كنت أجري مع مجموعة لا أعرفها .. وكنت آخرهم .. فجأة لقينا بوابة مفتوحة جنبنا وأرض فاضية خرابة .. حودنا ودخلناها والبواب قفل البوابة ورانا .. أدركت فجأة ان الأرض محاطة بسور عالي .. استطاع بعضنا تسلقه وقفزوا الناحية التانية بينما وقفت أنا عاجزة عن التحرك والبواب بيقول لنا "يللا نطوا بسرعة دول جايين عليكم!"

كان فاضل مننا 5 محاولوش ينطوا .. تلفتوا حواليهم فشافوا عمارة شبه مهجورة قالوا يللا نطلعها نستخبى فيها .. تسمرت في مكاني .. انا لا اعلمهم والعمارة شكلها مخيف بالليل .. إلتفت الي شاب سأختار ان اسميه "الغريب" وسألني ليه واقفة .. قلت له روحوا انتو انا مش هاجي، هتصرف .. كان يسعل بشدة من الغاز .. فأعطيته كمامة اضافية كانت معي واتجه هو ناحية العمارة ليلحق بالباقي الي سبقوه حتى اختفى داخلها

استدرت وما لحقتش اخد خطوتين حتى رأيت 10-12 مجند بيهزوا البوابة جامد حتى خلعوها وداسوا على البواب الغلبان ومتجهين ناحيتي .. في اقل من ثانية كنت باجري بأقصى سرعة ناحية العمارة وكل أملي ألا يكونوا اغلقوا باب العمارة وراهم .. طلعت سلمتين واذ بي افاجأ بباب العمارة بيتفتح والغريب منتظرني وبيقول لي خشي خشي انا مستنيكي .. الباقي طلع فوق على السطح .. دخلت ولسة بيقفل الباب كانوا العساكر وصلوا ودفعوا الباب جامد وهو واقف وراه بيحاول يغلقه حتى ارتطم الغريب في الحائط من شدة التدافع ..

مدخل العمارة صغير ومظلم وهم لا يميزون اذا كان الي امامهم بنت ولا ولد (كأنها هتفرق معاهم مثلا!) فصرخت بأعلى صوتي بمنتهى الانانية والسذاجة "محدش يقرب مني أنا بنت!"
كانوا يبعدون عني بخطوات ومتجهين نحوي وهم يرفعون الهرواوات .. فتقوقعت حول نفسي في جلسة سريعة وذراعي فوق رأسي لأحميه وغمضت عيني وأنا أدعو الله ألا أحس بالألم وألا أفقد وعيي مهما ضربوا عشان انا لوحدي وخايفة منهم .. ومع اول ضربة بالهراوة سمعت صوت صريخ عالي "ما زال يرن في أذني حتى هذه اللحظة" .. ففتحت عيني وانا متعجبة اني لم اتلقى اي ضربة لأجد الغريب قد افترش الأرض أمامي في لحظة يتلقى عني الضربات
استوعبت المشهد بسرعة وهم منهمكون في ضربه وركله في كل انحاء جسده .. وهو بين الصريخ من شدة الألم والزعيق بأعلى صوته اطلعي اجري .. اطلعي اجري .. فضلت واقفة مكاني وانا اصرخ بالدموع سيبوه .. خلاص بينزف سيبوه .. استمر الضرب المتواصل لعدة دقائق مرت كالساعات وانا لا افعل شيئا سوى الصراخ والبكاء .. حتى توقف الغريب عن الصريخ وبدأ يتأوه بصوت خفيض .. انتشلوه من يديه وقدميه مثل الذبيحة وخرجوا به الى الشارع ووضعوه في بوكس وانطلقوا
وبقيت انا في مدخل العمارة نصف ساعة جالسة في نفس المكان لا اشعر بقدماي .. حاولت ان اقف لكن تعثرت .. مر بجانبي الشباب الي كانوا مختبئين فوق السطح .. كانوا يتكلمون .. لم اسمع اصواتهم .. وكل الي كان بيمر بذهني "ماذا لو كان صعد معهم ولم ينتظرني؟"
قدرت اقف بعدها بشوية.. التقت الكمامة الي كانت معه من الأرض .. كانت عليها دماء .. استطعت بصععوبة ان اجر قدماي لاقرب تاكسي وانا ناسية اني معايا العربية .. روحت البيت

يا أيها الغريب .. لا أدري أين أنت .. وفي أي عالم تكون .. هل سيصلك رسالتي واعتذاري .. هل ستسامحنى على انانيتي .. كم أدعي اني رجل مثلك وفي لحظة خوف وجبن تذكرت اني أنثى .. هل سيكفيك اذا نزفت مثلك أن تغفر لي؟ .. أيعلم أحد ممن حولك ماذا فعلت معي؟ .. أيدرون انهم يعاشرون بطل؟ .. هل مازلت هنا؟ .. هل سأراك يوما وأتجاوز حينها احتقاري لنفسي الذي أعايشه كلما تذكرتك .. هل ستقتص مني يوم القيامة؟ أم تقف بكل شجاعة أمام رب عزيز كريم تروي فيه ما فعلت فيهبط ميزانك من أطنان الحسنات وينظر الكريم إليك نظرة رضا

أنا بكتب الموقف ده عشان 3 حاجات:
1. لعل وعسى توصل له الرسالة دي بشكل ما ويعرف ان المعروف لا ينسى .. وان دعائي له متصل .. وان الثورة دي صعب تموت بعد الي عمله
2. ان لسة فيه رجالة في مصر .. امام الكم المرعب من المخنثين والحيوانات وأشباه البني ادمين الي احنا بنخبط فيهم يوميا وبنفضح تحرشهم في كل مكان .. كان لازم اكتب عن راجل لا يعلمه إلا الله .. لم يؤذي بنت لا يعرفها ولم يعرض عنها حتى.. بل تلقى عنها كل الأذى بكل نخوة وشهامة .. فهو "حقا" لا يرضاه لأخته ولا لأي بنت أخرى
3. الثورة دي فيها كمية مواقف زي دي واكتر محتاجين نفتكرها ونحكيها وننشرها ونصحي الامل الي كان مالي عيوننا وانطفى .. هم اكبر نجاح ليهم انهم يقتلوه .. واحنا اكبر نجاح لينا اننا نحكي قصص الغرباء ونحولها لمواويل ..
ونكمل الثورة دي "غرباء" زي ما بدأناها .. فطوبى للغرباء

الاثنين، 28 فبراير 2011

براء الخطيب لولا دفاع شباب الإخوان عن الميدان يوم الأربعاء الدامى لذُبِح الجميع

تدور الأيام دورتها وليست الليلة أشبه بالبارحة، 25 يناير 2011 حلقة من حلقات انتفاضات شباب مصر الحقيقية، حلقة مجيدة، من الهبة الشعبية التى بدأت سنة 1919 وتبعتها حلقة حركة الطلبة 1968 وتبعتها حلقة 18 و19 يناير 1977 وها هى هبة 25 يناير2011 المباركة التى اكتسبت كل الخبرات العظيمة فاختلفت عن كل ما سبقها من هبات فقد كانت المظاهرات فى 1919 و1968 و1977 هبات شعبية مجيدة للانتقام من حكومات ظالمة، لكن هبة 25 يناير 2011 المجيدة توجت نفسها ثورة مجيدة فريدة فى التاريخ الحديث.

وجدت نفسى يوم الجمعة صباحا فى حاجة ملحة لدخول دورة المياه، ولأننى كنت أبيت فى الميدان فقد وجدت أن دار نشر «ميريت» تلاصق ميدان التحرير فهى لا تبعد عنه أكثر من عشرة أمتار فى بداية شارع قصر النيل، فذهبت إلى «ميريت»، التى كانت خلية حية تمتلئ بالحياة بشباب الثورة يشرف عليهم «محمد هاشم» الناشر وصاحب الدار وهو مناضل قديم اعتقل معنا عدة مرات، وجدت «محمد هاشم» يشرف على مجموعة من الشباب والفتيات فى تحضير الساندوتشات والشاى الساخن لتوزيعه على الشباب فى ميدان التحرير مع البطاطين التى أمكنه جمعها بمعاونة المخرج السينمائى «مجدى أحمد على» والشاعر «إبراهيم داود» اللذين كانا مشتركين فى التظاهر منذ اللحظات الأولى.

بعد مدة قصيرة تركت «ميريت» فى محاولة لدخول ميدان التحرير، لكن كان الميدان يمتلئ بجنود ومصفحات الأمن المركزى، فوجدت أنه يتحتم على أن أذهب إلى شارع طلعت حرب حتى أتمكن من دخول ميدان التحرير من شارع البستان، وجدت بعض الشباب متجمعين وهم يهتفون: «الشعب يريد إسقاط النظام» فانضممت إليهم وسرعان ما تجمع الشباب بكثرة شديدة فوجدت نفسى محمولا على الأعناق وفى يدى العصا التى أتوكأ عليها، ولم أعرف كيف حملنى الشباب ولا أعرف واحدا من الشباب الذين حملونى، وكان لابد أن أرفع شعارا يخص انتفاضتهم (الثورة المجيدة بعد ذلك) فهتفت من وحى اللحظة «ثورة.. ثورة شبابية مصر طالعة للحرية» وارتج شارع «صبرى أبو علم» من هتاف الشباب، وفيما يبدو أنه قد بدا على الإجهاد فوجدت بعض الشباب يعاونوننى على الوقوف وتبينت بينهم بعض شباب «اليوم السابع» وسرعان ما تضخمت المظاهرة بعد أن طاردت قوات الأمن المركزى شباب مظاهرة الميدان، فانضموا إلينا فى شارع «صبرى أبو علم» ليتعاظم حجم المظاهرة، وبدأت قوات الأمن المركزى فى إطلاق القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطى وهم يقاومون الاختناق باستنشاق الخل والبصل وغسل أعينهم بالمياه الغازية (يا له من اختراع أوصت به الثورة التونسية) وجرينا جميعا هنا وهناك ثم عاد الشباب جميعا لمواجهة قوات الأمن المركزى وهم يهتفون بشعارهم الأساسى: «سلمية.. سلمية..سلمية» لكن أبدا لم تعتبرها قوات الأمن كذلك وطورت هجومها على الشباب بالرصاص الحى «الخرطوش» فى البداية ثم بالرصاص الحى، فتفرقت المظاهرة ووجدت شابا يسحبنى من يدى ليخرج بى من هذا الجحيم، وبعد أن خفت درجة اختناقنا أنا وهو تبينت أنه الصحفى بجريدة اليوم السابع «محمد ثروت» الذى ساهم فى محاولة إنقاذ شاب مصاب بطلق نارى فلم يكن هناك طبيب ولا مسعف، بل الغريب فى الأمر أن الذى كان يحمله جندى من جنود الأمن المركزى خلع سترته وأقسم لمحمد ثروت أنه لن يعود إلى معسكره، وسوف يعود إلى قريته فورا لكن بعد أن يطمئن على الشاب المصاب.
وسوف أقفز الآن فوق خمسة أيام لأصل إلى يوم الأربعاء 2 فبراير ولهذه الأيام شهادات تفصيلية فى أيام الثورة المجيدة، أما عن يوم الأربعاء الدامى فقد بدأ بالنسبة لى حوالى الساعة الحادية عشرة حيث كنت أساعد شابا اسمه إبراهيم (لا أعرف بقية اسمه) فى تعليق لافتة ضخمة كتب بنفسه عليها مطالب الثوار، بعدها بمدة قصيرة سمعت هرجا ومرجا وصراخا ورأيت الأحصنة والجمال وعليها رجال يضربون المتظاهرين بالعصى والسيوف، لكن شباب الثوار استطاعوا القبض على أربعة من الخيالة وراكبى الجمال، واقتادوهم إلى السجن الذى أقامه شباب الثورة فى محطة المترو، بعد ذلك مباشرة تغير شكل ميدان التحرير فقد انخرط شباب الإخوان المسلمين فى بسالة وعزم الرجال الأشداء يدافعون عن شباب الثوار ورحنا نهتف حتى غابت الشمس وظهرت الإضاءة الخفيفة فى الميدان واستطاع شباب الإخوان المسلمين الحصول على بعض ألواح الصاج من سور كان يحيط بأحد مشاريع البناء فى أول شارع قصر النيل، وصنعوا منها متراسا قريبا من تمثال «عبد المنعم رياض» فصل بين قوات البلطجية وأنصارالحزب الوطنى وأفراد الأمن بالملابس المدنية الذين تم طردهم من ميدان التحرير ليصعدوا فوق كوبرى أكتوبر، حيث بدأوا هجومهم فيما بدا للجميع أن النظام الفاسد ينوى أن ينهى المسألة كلها فى هذه الليلة، وتغير الوضع تغيرا رهيبا حيث بدأ القناصة تخير بعض الشباب بإطلاق الرصاص عليهم، وسقط المصابون والشهداء واندفعت سيارات إسعاف الجيش فى محاولة إسعاف المصابين بطلقات القناصة، وأنا أقول بضمير مستريح لقد كان هدف النظام الفاسد فى يوم الأربعاء الدامى هو القضاء النهائى على شباب الثورة قبل أن يشرق نهار يوم الخميس، وأقول بضمير مستريح وأقسم بشرفى وبكل ما هو مقدس بأنه لولا شباب الإخوان ودفاعهم عن ميدان التحرير فى هذا اليوم الدامى لتم ذبح الجميع.

المصدر:

اغنية الثورة
الجدع جدع والجبان جبان

هذه المدونة

عزيزي / عزيزتي
هذه المدونة هي محاولة متواضعة لتوثيق شهادات العيان على أحداث الميدان، وما حدث في ثورة 25 يناير المجيدة، ثورة الشعب المباركة.
وذلك من خلال كتابات المشاركين في الثورة لشهادتهم، وما رأوه رأي العين وما عاشوه من لحظات ومواقف. ندعو هؤلاء إلى تسجيل هذه الملاحظات وتلك الشهادات بكافة الوسائل والطرق، كالكتابة الأدبية، والمقالات، والشهادات الحية، والصور، ومقاطع الفيديو .. حتى لا تمر الأيام ويضيع الأمر بين طيات النسيان.
هذا التوثيق هو أمر هام في تارخ الثورات حتى لا تضيع الحقيقة، وحتى لا يأتي اليوم الذي يكتب فيه التاريخ بأيدى غير من عايشوا الحدث، فيأتي الأمر على غير حقيقته.
هذا التوثيق في حقيقته واجب على من عايش تلك اللحظات التي لمسنا فيها مصر الحقيقية، مصر بدون الركام الذي تراكم على صفحتها النقية.
توثيق من أجل التاريخ ...
توثيق من أجل الأجيال القادمة ....
توثيق لنعرف مقدار عظمة هذا الشعب الذي علم العالم قبل 7000 سنة وها هو يعلمها الآن.
لذا فالدعوة مفتوحة للجميع لتوثيق وكتابة شهادتهم الحية أيام الثورة